- يونيو 10, 2025
- tunisieagriculture

في ظل التغيرات المناخية التي يعيشها العالم من إنحباس في الأمطار وارتفاع في درجات الحرارة، يواجه الأمن الغذائي العالمي تحديات غير مسبوقة. إذ تؤثر هذه الظواهر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي، من خلال تراجع المحاصيل، وتدهور جودة التربة، وزيادة انتشار الآفات والأمراض الزراعية. ويؤثر إنحباس الأمطار خلال أهم مراحل نمو الحبوب سلبا على الإنتاج.
في الدول التي تعاني من نقص في الأمن الغذائي، تعتبر الكينوا التي تلقب بنبتة المستقبل إستثمارا جيدا لمكافحة هذه الأزمة نظرا لتنوعها الوراثي وقابليتها الكبيرة للتكيف مع الظروف الزراعية البيئية المختلفة، مما يجعلها بديلا مناسباً لبعض الزراعات الأخرى كالقمح و الذرة، خاصة في الأراضي التي تعاني من الجفاف و قلة الأمطار.
و تتحمل الكينوا الظروف الزراعية الصعبة، من بينها التربة عالية الأملاح و درجات الحرارة المتقلبة. كما أنها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء و الأسمدة، و تتطلب مساحة صغيرة مقارنة بالأرز و القمح و الذرة. وعلى عكس كلفتها الغير باهظة فإن محاصيل الكينوا تعد ذات مردود مالي عال.
أصول الكينوا:
و يعود أصل الكينوا إلى منطقة جبال الانديز في أمريكا الجنوبية أين يطلق عليها باللهجة المحلية “كيشوا” و هي نبتة عشبية سنوية تنتمي إلى الفصيلة القطيفية. وتزرع منذ أكثر من 7 الاف سنة في المناطق المحيطة ببحيرة “تيتيكاكا” المحاذية للبيرو و بوليفيا، وهي نوع شبيه بالحبوب و تتعدد ألونها بين الأبيض، و الأصفر، والبرتقالي، والوردي، والأرجواني، والرمادي، والأسود. و كانت الكينوا، مثلها مثل البطاطا، أحد الأغذية الرئيسية لشعوب جبال الأنديز. حيث يجري تحميص حبوب الكينوا ثم طحنها حتى تصبح دقيقا، لتصنع منه مختلف أنواع الخبز.
و تتعبر الكينوا نبتة صديقة للبيئة فهي غنية بالفيتامينات و المعادن، تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الضرورية و تعد بروتينا كاملا يعوض بروتينات اللحوم. و هي من حبوب الطاقة الغنية بالألياف و المغذيات الطبيعية التي تزود الجسم بالطاقة، و تعتبر أيضا طعاما مناسبا لمن يعانون من حساسية الغلوتين لأنها خالية من الغلوتين و يستخرج منها حليب الكينوا لمن يعانون من حساسية اللاكتوز في حليب البقر.
تنمو الكينوا في أمريكا الجنوبية ولكنها بدأت في الإنتشار في أماكن عديدة من العالم، منذ 2013 و إلى سنة 2023 إرتفعت عدد الدول التي باشرت في زراعة الكينوا من 30 دولة إلى 130 دولة، نظرا لكونها تزدهر حتى في الأراضي غير الصالحة للمحاصيل الزراعية كالقمح و تنمو في المناطق ذات الطقس الجاف و المعتدل…
الكينوا في تونس: تجربة نموذجية ناجحة:
تعد تجربة الكينوا في تونس نشاطا غير مألوف لدى غالب الناس. لكنها تعتبر زراعة نموذجية ناجحة لما توفره من قيمة مضافة في الأمن الغذائي وفي تحريك عجلة الاقتصاد الفلاحي. كما أنها تساهم في دعم الجهود المبذولة إلى توفير زراعات بديلة تتحمل الجفاف والملوحة، مما قد يسهم في استصلاح الأراضي الهامشية والملحية.
وما يجعل هذه النبتة قيمة و “مقدسة” كما يلقبها البعض، هي استخداماتها العديدة. حيث يمكن إستعمالها في صنع الخبز و الحلويات و عديد الأكلات الأخرى. و يمكن إستخدام مادة “الصابونية” المستخلصة من “الكينوا” في الصناعات الصيدلية و معالجة اثار انخفاض مستويات الكوليسترول الشديد.
وقد خاض تجربة الكينوا في تونس عدة فلاحين، أولهم الباحث و الأستاذ الجامعي المتقاعد في إختصاص إنتاج البذور و تحسين النباتات أحمد المرواني. وذلك في أحد الحقول بولاية سليانة سنة 2013 و تزامنا مع السنة العالمية لإنتاج و زراعة الكينوا. وذلك في إطار بحوث للتعرف على مدى تأقلمها بولايات الشمال الغربي. وذكر المرواني، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن أول تجربة انطلقت خلال سنتي 2014 و2015 في ولايتي الكاف وجندوبة، ثم توسعت لاحقًا إلى ولايات أخرى من بينها بنزرت و سوسة و تطاوين. تم زرع الكينوا في مساحات تتراوح بين 3 و5 هكتارات.
التجربة إنطلقت على صعيد وطني بتجربة 50 سلالة جينية وراثية في كامل البلاد التونسية. ليتم اختيار في ما بعد 3 سلالات، من بينها صنف “الكينوا” الأبيض الموجود.
وأشار المراوني أن أفضل إنتاج تحصل عليه كان سنة 2018، بلغ 18 قنطارا للهكتار، ما يجعل من زراعة الكينوا مشروعا واعدا اقتصاديا.
و كان الأستاذ أحمد المرواني قد أشار سابقا في تصريح له لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن أفضل فترة لزراعة الكينوا تترواح بين شهري نوفمبر و ديسمبر و يبدأ الحصاد في أواخر شهر ماي و بداية شهر جوان.
..18 ألف صنف:

و تتميز الكينوا بتعدد أصنافها التي تصل تقريبا إلى 18 ألف صنف حول أنحاء العالم. وتتمتع بالإمكانات اللازمة لتقليص الاعتماد على الأغذية الأساسية الأخرى كالقمح والأرز.
إكتسبت الكينوا شهرتها بفضل تنوعها الوراثي حيت تحتوي على البروتين، الدهون، الألياف و المعادن و الفيتامينات، فضلا على قدرتها على التأقلم مع كل الظروف الزراعية الصعبة.
و في ظل التغيرات المناخية و تحديات ارتفاع نسب الجوع حول العالم و تقلص الإنتاج الغذائي، تعد الكينوا بديلا ملائما لدى البلدان التي تعاني من إنعدام الأمن الغذائي.
Source : jawahra fm / babnet/ el sabah