- فبراير 21, 2025
- tunisieagriculture
تخيل زهرة بنفسجية متواضعة و ضعيفة، تنبثق بهدوء من قلب أرض عطشاء جافة ، متحدية التقلبات المناخية و الظروف القاسية. قد تبدو للولهة الأولى مجرد زهرة أخرى بلونها البنفسجي الناعم و بساطتها الخجولة، لكنها في الحقيقة تخفي داخل قلبها ذهب أحمر لا يقدر بثمن.

إنها تلك البتلات التي تتفتح كاشفة عن خيوطها القرمزية الرفيعة و كأنها تتغنى بأثمن ما جاد به التراب. نادرةٌ هي، لا تنبت إلا في مواسم محدودة، ولا تجنى إلا بأيد صبورة تدرك قيمتها. وبينما تمر العيون عليها دون اكتراث، يدرك العارفون أن في هذه الخيوط الصغيرة عطر الفخامة، ونكهة التاريخ، ودواءً اختزنته الطبيعة عبر العصور.

فالفلاح وهو خير العارفين بها، يعلم جيدا أنها زارعة ناجحة خاصة و أنها تقاوم التقلبات المناخية ولا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء كي تنمو و تزهر، تزرع في تربة خفيفة، سهلة الصرف المائي و فوائدها لا تحصى و لا تعد. ثم أنها كما يطلق عليها هي ذهب أحمر، فكل حوالي 250 زهرة تنتج غراما واحدا من الزعفران ، شعيراتها الحمراء تلك يستخرج منها أغلى التوابل في العالم و الذي يبلغ سعر الكيلو الغرام الواحد منها حوالي خمسة و ثلاثون ألف يورو. وهو ما يجعل زراعتها واحدة من بين المشاريع الزراعية ذات المردودية الإقتصادية العالية.
و يبدأ موسم الزراعة في شهر أوت. و في شهر أكتوبر يبدأ الزعفران في الإزهار ليتم جمع المحاصيل بداية من أكتوبر و حتى نوفمبر و ديسمبر، ليتم بعد ذلك تجفيف الشعيرات الحمراء و بيعها مجففة. تلك الشعيرات الثلاث هي الزعفران الأصلي، لذلك تكون عملية القطف دقيقة جدا، حتى لا تتمزق تلك الشعيرات. بيدين صبورتين يمسك الفلاح بخيوط الذهب الأحمر ويسحبها بحذر و عناية. و عقب عملية التجفيف الطبيعي يصبح جاهزا للإستهلاك.
و يفضل جني الزعفران في الصباح الباكر قبل بزوغ الشمس لضمان تفتح كامل للإزهار. و تتطلب هذه الزراعة الصبر و العناية فقد يكون إنتاج الزعفران في الهكتار الواحد متفاوتا ليبلغ بين 2 و 10 كغ من الزعفران المجفف، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، مثل نوعية التربة، طرق الزراعة و العناية بالمحصول. ولكن في ظروف مناخية جيدة و مع تقنيات زراعية متقدمة يمكن أن يصل الإنتاج إلى 15 كغ/ الهكتار.
يفضل الزعفران التربة الرملية الطينية جيدة التصريف و الغنية بالمغذيات. و يمكن إثراء التربة الطينية شديدة الكثافة بالرمل أو السماد. و بما أنه يزرع غالبا في دول شمال إفريقيا و أسيا و جنوب أوروبا، دول تتميز بالطقس المعتدل الدافئ فهذا يدل على أن الزعفران يحتاج إلى الأماكن المشمسة كي ينمو و يزهر، لذلك ينصح بزراعته في المنافذ المكشوفة و الحدائق الصخرية الوعرة.
و تعتبر إيران هي الدولة الأولى عالميا في إنتاج الزعفران، إذ تنتج نحو 90 بالمائة من الزعفران العالمي و تصدره إلى دول الخليج و اليمن. بينما تشهد تونس تطورا ملحوظا في هذا القطاع. و تتركز هذه الزراعات بالأساس في مزارع الشمال التونسي.
و لا تقتصر قيمة الزعفران على أسعاره الغالية و إنتاجيته المربحة، فهو يعتبر أيضا قيمة غذائية عالية و فاعليته الطبية متنوعة و عديدة. من الزعفران يمكن صناعة مواد تجميل و مستحضرات طبية تخلو من أي مواد كيميائية. فهو يساعد في تحفيز الخلايا العصبية في الجسم، و بالتالي يساعد على حماية البشرة و الجلد و يعطي رونقا مثاليا حال استخدامه كمسوح للتجميل.
كما أنه دواء يحارب أمراض الإكتئاب لاحتوائه على عناصر غذائية أساسية كالكالسيوم و الحديد و الفسفور، فإن مكوناته أصبحت تدخل في علاج أمراض السكري و السرطان. كما أوضح الموقع الإلكتروني الرسمي لـ”مكتبة الطب الوطنية” في أمريكا أن مكونات الزعفران قد تُساهم في علاج مختلف اضطرابات الجهاز العصبي، مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون. ويمكن أيضًا أن تكون فعّالة في علاج عدة أمراض أخرى، مثل: ارتفاع ضغط الدم و اضطرابات المعدة. وأشارت دراسات مختلفة إلى أن الزعفران يتمتع بأنشطة مضادة للالتهابات، ومضادة لتصلّب الشرايين. و يمكن استخدامه في الطب التقليدي كمسكن عشبي، مُضاد للنُزُلات، مُهدّئ لآلام اللثة و مُطهّر.
ختاما، يعتبر الزعفران من المحاصيل الثمينة التي تمتلك تونس مقومات زراعتها بإمتياز، بفضل مناخها الملائم وأراضيها الخصبة. يمكن أن يكون هذا القطاع واعدا في تونس فالاستثمار فيه لا يعزز فقط الاقتصاد الوطني عبر التصدير وتحقيق عائدات مالية هامة، بل هو أيضًا فرصة ذهبية للفلاحين، خاصة في المناطق الريفية، لتحسين دخلهم. علاوة على ذلك، فإن فوائد الزعفران الصحية والغذائية تجعله منتجًا استراتيجيًا يستحق اهتمامًا أكبر. لذلك، يجب على الجهات المعنية توفير الدعم التقني والمالي للمزارعين وتشجيعهم على تبني أفضل الممارسات الزراعية، حتى تتحول تونس إلى وجهة بارزة في إنتاج وتصدير “الذهب الأحمر”، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو والازدهار.